من هو رئيس مجلس الشعب القادم؟
بقلم: محمود معوض
قبل الدخول في دوامة التكهنات حول من هو رئيس الجمهورية القادم, والذي مازال في علم الغيب, فإن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم بعد فتح باب الترشيح للانتخابات: من هو رئيس مجلس الشعب القادم
الذي ستنتقل إليه السلطة الشعبية خلال المرحلة الانتقالية بصفته رئيس المؤسسة الدستورية الأولي في البلاد؟
فقط نحن نسأل: من أين؟ ومن هو؟ هل سيكون من رموز ميدان التحرير سابقا؟ أم أنه سيتم اختياره من بين القيادات التي لها سابق خبرة بصرف النظر عن سابق العلاقة مع النظام السابق؟ أم سيتم الدفع هذه المرة برئيس مفاجئ للبرلمان من مكان آخر؟ وهل سيتم تسميته قبل الانتخابات ليكون أول من يعلن فوزه قبل بدء الانتخابات مثلما كان يحدث في الماضي؟ أم سيترك الاسم للصندوق الانتخابي الذي من المفترض أن تكون له الكلمة الأولي والأخيرة, ليس في تسمية رئيس مجلس الشعب فقط, وانما في تسمية كل أعضاء المجلس؟ الحدث الجديد الذي تنفرد به ثورة25 يناير أنه ولأول مرة يتم انتخاب رئيس مجلس الشعب في غياب رئيس الجمهورية ولا أدري هل هذا الانفراد من حسنات أم من سيئات الفترة الانتقالية؟ لكن يجب قبل الحكم أن نضع في الاعتبار ديكتاتورية الاختيار التي يمارسها في العادة كل الرؤساء الذين يتعاملون مع رئيس مجلس الشعب علي أنه الرجل الثاني في الدولة, والذي يمكن أن يكون ـ طبقا للدستور ـ رئيسا مؤقتا أو رئيسا دائما للجمهورية عند الضرورة. تاريخنا البرلماني يقول إنه لم يحدث ولو لمرة واحدة أن قام رئيس الجمهورية بتسمية رئيس للمجلس واختار المجلس رئيسا آخر, ونحن نسأل: هل يمكن في ظل ثورتنا المجيدة أن تتم تسمية رئيس المجلس ويأتي البرلمان برئيس آخر في ظل انتخابات أكثر شفافية؟ باختصار فإن رئيس البرلمان عندنا هو عنوان النظام فإذا أردت أن تحكم علي ديمقراطية أو عدم ديمقراطية النظام يكفي أن تعرف من هو رئيس مجلس الشعب..
قبل أن ندلي بشهادة علي زمن مضي, نلفت النظر الي أن الثورة تواجه في الوقت الحاضر أصعب اختبار لها وهي تخوض معركة الاختيار للقيادات التي ستحكم مصر في السنوات المقبلة.
وللتاريخ فإن السادات لم يضع مصلحة ومستقبل مصر في الاعتبار وهو يختار حسني مبارك نائبا لرئيس الجمهورية لأنه زرع البذرة لبداية عصر الرؤساء الضعفاء, الذين حولوا الدولة المصرية المحورية الي دولة ضعيفة وهامشية, أزمة مبارك ليست في كونه فاسدا نهب هو وجنوده ثروة مصر, فإن معظم من حكموا مصر منذ أيام محمد علي نهبوا ثرواتها وسرقوا شعبها الذي لا يصدق أحد أنه مازال واقفا علي قدميه حتي الآن.. أزمة مبارك الحقيقية هي في الاختيار الخاطئ لرجل كان فاقد الأهلية لحكم بلد في حجم ومكانة مصر, لذلك لم يكن غريبا أن يوصف مبارك وبجدارة بأنه أسوأ حاكم مصري علي الاطلاق.
وللتاريخ فإن كواليس برلمانات مبارك شهدت أسرارا خطيرة حول الصراع علي منصب رئيس مجلس الشعب بعضها يذاع ولأول مرة علي الوجه التالي:
< الدكتور فؤاد محيي الدين أشهر سياسي في السبعينيات والثمانينيات هو المدني الوحيد الذي طمع بعد مجيء مبارك للحكم في أن يكون رئيسا للجمهورية عبر رئاسة مجلس الشعب, كان يمتلك شخصية كاريزمية قادرة علي التأثير والتغيير في قرارات حسني مبارك حتي وفاته عام1984, كان مبارك يشعر بالضعف وأحيانا بالجهل وهو يستمع في انبهار الي الدكتور فؤاد محيي الدين حسبما روي لي أحد الشهود الكبار.. وللتاريخ, فإن أحد مصادر القوة في شخصية الدكتور فؤاد محيي الدين أنه لم يستخدم نفوذه يوما في جمع الأموال والاثراء غير المشروع الذي سقط فيه معظم منافسيه, صحيح أن السلطة كانت تجري مجري الدم في عروقه إلا أنه كان يأكل من بيت أبوه بيت عائلة محيي الدين في كفر شكر قليوبية التي أنجبت زعماء وطنيين شرفاء من قادة ثورة يوليو.. زكريا محيي الدين وخالد محيي الدين.. إلا أن العائلة للأسف أفرزت أيضا الوزير الفاسد محمود محيي الدين قرة عين جمال مبارك.. في صيف82 أفصح الدكتور فؤاد للرئيس مبارك لأول مرة عن رغبته في أن يكون رئيسا لمجلس الشعب.. إلا أن الرئيس تحفظ ولم يرفض تحت دعوي حاجة البلد إليه في أن يجمع بين منصبي رئيس مجلس الوزراء والأمين العام للحزب الوطني.. وتأجلت موافقة الرئيس, وقبل48 ساعة من اختيار الرئيس الجديد للمجلس شاءت الأقدار أن يموت فؤاد محيي الدين.. البعض يقول إنه لم يمت ولكنه أميت بعد أن شرب قهوة الصباح بمكتبه في مجلس الوزراء, في شارع مجلس الشعب!! بعدها وقع مبارك في ورطة من هو الرئيس البديل, وتحت دعوي الضرورة وافق مبارك علي تعيين الدكتور رفعت المحجوب الرجل الاشتراكي الأول ليكون رئيسا معينا للبرلمان في زمن تهيئة المناخ للرأسمالية الجديدة التي يشكلها قيادات الحزب الوطني, والذي سبق أن وصفهم الدكتور رفعت المحجوب بأنهم القطط السمان, وفي اجتماع الهيئة البرلمانية للحزب فوجئ مبارك بأن النواب يستنكرون تعيين رئيس المجلس.. ونطق مبارك بأصدق عبارة نادرة قالها في حياته: ما انتوا كلكوا معينين. < كمال الشاذلي وما أدراك من هو كمال الشاذلي.. وبرغم أنه كان يدير جلسات مجلس الشعب من مقاعد الوزراء, لدرجة أن النواب عندما يأخذون الكلمة من الدكتور فتحي سرور كانوا يوجهون الشكر لكمال الشاذلي, علي أنه أعطاهم الكلمة.. إلا أنه قال لي في بداية التسعينيات ـ إنه يريد أن يختم حياته السياسية علي منصة مجلس الشعب.. ودارت الأيام وجاء جمال مبارك الي الحزب.. كانت كل المؤشرات تقول إنه من شبه المستحيل أن يستمر كمال في ظل وجود جمال.. فإن الحضور السياسي الطاغي لكمال الشاذلي والذي فشل في اطفائه مجاملة لجمال جعل جمال يشعر بفقدان الجاذبية الشعبية الانفرادية التي تؤهله داخل بيته لأن يكون مشروع رئيس جمهورية قوي فالكل كان ينادي جمال بعبارة يا سيادة الريس ماعدا كمال الذي كان يناديه بـ جمال بيه.. اما صفوت الشريف فقد لعب بذكاء دور الأب الذي يفضل ابنه علي نفسه والذي يمتلك خبرة في توصيل الضعفاء الي السلطة لا تقل عن خبرته في طرد الأقوياء.. تلك الخبرة النادرة التي تؤهله لتسليم الولد حكم البلد.. وبفضل البنوة لجمال.. نجا صفوت الشريف من مؤامرة أحمد عز الذي كان يلقب بـ الأراجوز وهو يقول للرئيس الكبير يا أنكل ويبدو أنه ليس برابطة الدم وحدها يمكن أن تتشكل العيلة المالكة. < الدكتور مصطفي الفقي: منذ أن وطئت قدمه عتبات مجلس الشعب وهو يشتاق الي أن يكون رئيسا لمجلس الشعب, وبرغم شعوره بأنه لن يكون رئيسا للبرلمان في ظل وجود زكريا عزمي, الذي كان وراء استبعاده من رئاسة الجمهورية إلا أنه كان يراهن علي كفاءته وبراعته السياسية وقدراته الخارقة في استيعاب التوجيهات الضارة وتحويل مسارها في النهاية لمصلحة النظام وبخسائر أقل في معسكر المعارضة, والحقيقة أنه قد ظهرت خطورة مصطفي الفقي من رد فعل الدكتور فتحي سرور علي نزوله الانتخابات في الدلنجات بحيرة والتزوير الفاضح له الذي لم يكن ليحدث, وبهذه البشاعة, إلا اذا كان هناك توجيه للأمن بأنه جاي رئيس مجلس.. وكان لسان حال سرور يقول لابد من قطع دابر الاشاعة لأن مصطفي الفقي لو جلس علي المنصة ساعة لاستمر حتي قيام الساعة فهو أكثر واحد يعرف النظام عايز ايه بالضبط, وصدر القرار بتحويل المسار ونقله لمجلس الشوري.. وكان عقابا صريحا لأنه تم نقل رئيس لجنة مهمة في مجلس الشعب الي عضوية عادية في مجلس الشوري, الذي لا يعترف به البرلمان الدولي حينما كتب في رسالة مودعة بأمانة مجلس الشعب تقول إن مصر لا يوجد بها سوي مجلس نيابي واحد وهو مجلس الشعب.. واعتقد أن الدكتور الفقي يشعر الآن بالسكينة بعد أن تحطمت الآمال والأوهام بسقوط النظام الذي اغتال حلم أبنائه الأذكياء لمصلحة أبنائه الأغبياء. المزيد من مقالات محمود معوض
جريدة الاهرام الخميس 22 من ذى القعدة 1432 هـ 20 اكتوبر 2011 السنة 136 العدد 45608
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق